الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.ما ترشد إليه الآيات الكريمة: 2- لا ينبغي الحضور قبل نضج الطعام، ولا المكث بعد تناول اطعام الوليمة. 3- وجوب احترام الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وأمتثال أوامره وتقديم طاعته على كل شيء. 4- حرمة إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالأقوال أو الأفعال، والتأدب معه في جميع الأحوال. 5- حرمة نكاح أمهات المؤمنين من بعد وفاته لأنهن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. 6- خلق الرسول الرفيع يمنعه من أمر الناس بالخروج من منزلة فينبغي عدم الإثقال عليه. 7- نساء الرسول صلى الله عليه وسلم هن القدوة والأسوة الحسنة لسائر النساء فينبغي مخاطبتهن من وراء حجاب. 8- في عدم الاختلاط بالنساء صفاء النفس، وسلامة القلب، ونقاء السريرة، والبعد عن مظان التهم. 9- الآداب التي أرشد إليها القرآن ينبغي التمسك بها وتطبيقها تطبيقا كاملا. .خاتمة البحث: حرم الله تعالى على المؤمنين دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بدون إذن، تكريما لرسول الله عليه السلام وتعظيما لشأنه، ومنع الناس من الإثقال على رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء بالدخول إلى بيوته دون سابق دعوة، أو المكث فيه بعد تناول طعام الوليمة لأن في ذلك إثقالا على الرسول الكريم، وإيذاء له، والتطفل والإثقال على أهل الدار ليس من أوصاف المؤمنين، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، وكان- كما تقول السيدة عائشة- أشد حياء من العذراء في خدرها، ولم يكن من خلقة الكريم أن يجابه أحدا بما يكره، مهما أصابه الأذى والضرر، ولا من عادته أن يأمر الزائر بالانصراف مهما طال المكث والبقاء، لأن هذا لا يتفق مع خلق الداعية، فكيف بخلق النبوة وأوصاف سيد المرسلين!. {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159]. وان بعض الناس- ممن لم تتهذب أخلاقهم بعد- يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون قبل أن يدرك الطعام، ويقعدون إلى أن ينضج، ثم يأكلون ولا يخرجون.. فكان الناس بحاجة إلى أن يتعلموا الآداب الرفيعة، وأن يكون عندهم ذوق اجتماعي وشعور رقيق، يمنعهم عن ارتكاب النقائض، وفعل ما يخل بالمروءة، لذلك أنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمة تعلميا للأمة وإرشادا لها إلى سلوك الطريق القويم، وقد قال إسماعيل بن أبي حكيم: هذا أدب أدب الله به الثقلاء. وقال آخر: هذه الآية نزلت في الثقلاء، وحسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم. ولقد كان هناك من بعض المنافقين إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل أو القول، حتى قال رجل من المنافقين حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد وفاة زوجها أبي سلمة: ما بال محمد يتزوج نساءنا! والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه، يريد اقتسمناهن بالقرعة، فنزلت الآية في هذا، فحرم الله نكاح أزواجه من بعده، وجعل لهن حكم الأمهات تطييبا لخاطره الشريف وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام أب للمؤمنين، وهل يليق بالإنسان أن يتزوج امرأة أبيه وهي أمه بنص القرآن الكريم! وصدق الله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} الآية. أَمَرَهم بحفظ الأدب في الاستئذان، ومراعاة الوقت، ووجوب الاحترام؛ فإذا أُذِنَ لكم فادخلوا على وجه الأدب، وحِفْظِ أحكام تلك الحضرة، وإذا انتهت حوائجكم فاخرجوا، ولا تتغافلوا عنكم، ولا يَمْنَعَنَّكُم حُسْنُ خُلُقِه من حِفْظِ الأدب، ولا يحملنَّكم فرطُ احتشامِه على إبرامه. {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتِشِرُواْ وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِ مِنكُمْ} حُسْنُ خُلُقِه صلى الله عليه وسلم جَرَّهم إلى المباسطة معه، حتى أنزل اللَّهُ هذه الآية. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقَلُوبِهِنَّ} نَقَلَهم عن مألوفِ العادة إلى معروف الشريعة ومفروض العبادة، وبَيَّنَ أن البَشَرَ بَشَرٌ- وإن كانوا من الصحابة، فقال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقَلَوبِهِنَّ}. فلا ينبغي لأحدٍ أن يأمن نفسه- ولهذا يُشَدَّدُ الأمرُ في الشريعة بألا يخلوَ رجلٌ بامرأة ليس بينهما مَحْرَمَة. قوله جلّ ذكره: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدَهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}. وهذا من خصائصه- صلى الله عليه وسلم، وفي هذا شبه رخصة لمن يلاحظ شيئًا من هذا، فيهتم بالاتصال مَنْ له مَيْلٌ إلَيهنَّ بغيرهن بعد وفاته- وإِنْ كان التحرُّزُ عنه- وعن أمثال هذا مِنْ تَرْكِ الحظوظ- أتمَّ وأعلى. اهـ. .قال السبكي: قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَقْتَ أَنْ يُؤْذَنَ وَرُدَّ بِأَنَّ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي مَعْنَى الظَّرْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَصْدَرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ قوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَالٌ مِنْ {لَا تَدْخُلُوا} فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ صِفَةٌ مُسْتَثْنَى مِنْهَا. وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قُلْت هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِحَسَبِ مَا صَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَلَامَهُ، وَلَمْ يَرُدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الصَّرِيحِ مِثْلُ قَوْلِهِ: مَا أَنْتَ إلَّا مَاجِدًا صَغِيرَ السِّنِّ. أَيْ مَا أَنْتَ صَغِيرُ السِّنِّ إلَّا مَاجِدًا. هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْكِسَائِيّ وَغَيْرِهِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ عَقِبَ كَلَامِهِ: وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَقْتِ وَالْحَالِ مَعًا فَعُلِمَ مُرَادُهُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ حَالًا لِأَنَّ تَدْخُلُوا مُفَرَّغٌ كَمَا تُسَمِّي مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ فَاعِلًا وَمَا ضَرَبْت إلَّا زَيْدًا مَفْعُولًا كَذَلِكَ مَا قُمْت إلَّا رَاكِبًا حَالٌ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ نَعَمْ هُنَا نَظَرٌ آخَرُ. وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ شَيْئَيْنِ مِنْ شَيْئَيْنِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَحَالُ غَيْرِ النَّاظِرِينَ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لَكِنَّ مَنْقُولَ النُّحَاةِ يَأْبَاهُ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هُنَا: إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ غَيْرَ نَاظِرِينَ- أَوْ فَادْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ. فَهَذَا إعْرَابُ الْآيَةِ. وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى مَا فَهْمِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ لَكَانَ الْمَعْنَى لَا تَدْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَفِيهِ فَسَادٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إفْهَامُهُ جَوَازَ الدُّخُولِ نَاظِرِينَ. وَالثَّانِي إفْهَامُهُ إذَا أَذِنَ لَهُمْ جَازَ الدُّخُولُ مُطْلَقًا نَاظِرِينَ وَغَيْرَ نَاظِرِينَ. قوله: {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاَللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ} تَقُولُ اسْتَحْيَيْت مِنْ فُلَانٍ مِنْ كَذَا فَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ دَلَّ عَلَيْهِ الثَّانِي وَمِنْ الثَّانِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَوَّلِ الْحَقَّ صِيَانَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اسْتِحْيَائِهِ مِنْ الْحَقِّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الثَّانِي أَدَبًا فِي الْخِطَابِ. قوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} وَقوله: {إنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} يَدْخُلُ فِيهِ مَا حَصَلَ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ مِنْ تَزَوُّجِ عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيذَاؤُهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ إسْرَارُهُ وَإِعْلَانُهُ سَوَاءٌ فِي الْوَعِيدِ وَالْعُقُوبَةِ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْآيَةُ مُحْكَمَةً فِي ذَلِكَ وَلَيْسَتْ مِثْلَ قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلَا مِثْلُ قوله: {إنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْعِلْمُ وَهُوَ شَامِلٌ وَلَيْسَ فِيهَا وَعِيدٌ. وَآيَةُ الْأَحْزَابِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْعِلْمَ فَفِيهَا وَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: آيَةٌ أُخْرَى قَوْله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ} الَّذِي يُخْتَارُ فِي إعْرَابِهَا: أَنَّ قَوْله تعالى: {أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ} حَالٌ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَصْحُوبِينَ. وَالْبَاءُ مُقَدَّرَةٌ مَعَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِأَنْ؛ أَيْ مُصَاحِبًا وَقوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ} حَالٌ بَعْدَ حَالٍ، وَالْعَامِلُ فِيهِمَا الْفِعْلُ الْمُفَرَّغُ فِي {لَا تَدْخُلُوا} وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ الْحَالِ، وَجَوَّزَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ الزَّمَخْشَرِيُّ حَرْفًا أَصْلًا، بَلْ قَالَ: إنَّ {أَنْ يُؤْذَنَ} فِي مَعْنَى الظَّرْفِ، أَيْ وَقْتَ أَنْ يُؤْذَنَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي مَعْنَى الظَّرْفِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ. نَحْوَ أَجِيئُك صِيَاحَ الدِّيكِ؛ أَيْ وَقْتَ صِيَاحِ الدِّيكِ. وَلَا تَقُولُ: أَنْ يَصِيحَ. فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي أَنَّ {أَنْ يُؤْذَنَ} ظَرْفٌ أَوْ حَالٌ فَإِنْ جَعَلْنَاهَا ظَرْفًا كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَدْ قَالَ: إنَّ {غَيْرَ نَاظِرِينَ} حَالٌ مِنْ لَا تَدْخُلُوا وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ الْأَحْوَالِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَدْخُلُوا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مَصْحُوبِينَ غَيْرَ نَاظِرِينَ. عَلَى قَوْلِنَا، أَوْ وَقْتَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ غَيْرَ نَاظِرِينَ عَلَى قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ {غَيْرَ نَاظِرِينَ} حَالًا مِنْ {يُؤْذَنَ} وَإِنْ كَانَ جَائِزًا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَالًا مُقَدَّرَةً، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَصِيرُونَ مَنْهِيِّينَ عَنْ الِانْتِظَارِ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَيْدًا فِي الْإِذْنِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ، بَلْ عَلَى أَنَّهُمْ نُهُوا أَنْ يَدْخُلُوا إلَّا بِالْإِذْنِ، وَنُهُوا إذَا دَخَلُوا أَنْ يَكُونُوا نَاظِرِينَ إنَاهُ. فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ {يُؤْذَنَ} وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ مَفْعُولِهِ؛ فَلَوْ سَكَتَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى هَذَا لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَكِنَّهُ زَادَ وَقَالَ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَقْتِ وَالْحَالِ مَعًا كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا وَقْتَ الْإِذْنِ وَلَا تَدْخُلُوهَا إلَّا غَيْرَ نَاظِرِينَ. فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءَ شَيْئَيْنِ: وَهُمَا الظَّرْفُ وَالْحَالُ بِأَدَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ مَنَعَهُ النُّحَاةُ أَوْ جُمْهُورُهُمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ مَا قَالَ ذَلِكَ إلَّا تَفْسِيرَ مَعْنًى، وَقَدْ قَدَّرَ أَدَاتَيْنِ؛ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ بَيَانِ الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَقْتِ وَالْحَالِ مَعًا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُفَرَّغَ يُعْمِلُ مَا قَبْلَهُ فِيمَا بَعْدَهُ وَالْمُسْتَثْنَى فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِالظَّرْفِ وَالْحَالِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَدْخُلُوا إلَّا دُخُولًا مَوْصُوفًا بِكَذَا. وَلَسْت أَقُولُ بِتَقْدِيرِ مَصْدَرٍ هُوَ عَامِلٌ فِيهِمَا فَإِنَّ الْعَمَلَ لِلْفِعْلِ الْمُفَرَّغِ؛ وَإِنَّمَا أَرَدْت شَرْحَ الْمَعْنَى وَمِثْلُ هَذَا الْإِعْرَابِ هُوَ الَّذِي سَنَخْتَارُهُ فِي مِثْلِ قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَالْحَالُ لَيْسَتَا مُسْتَثْنَيَيْنِ بَلْ يَقَعُ عَلَيْهَا الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ، كَمَا تَقُولُ مَا قُمْت إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ضَاحِكًا أَمَامَ الْأَمِيرِ فِي دَارِهِ. فَكُلُّهَا يَعْمَلُ فِيهَا الْفِعْلُ الْمُفَرَّغُ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهَا بِمَجْمُوعِهَا بَعْضٌ مِنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ اخْتَلَفُوا بَغْيًا بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ فِيهِ قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ} فَهُوَ حَصْرٌ فِي شَيْئَيْنِ وَلَكِنْ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَاهُ لَا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ شَيْئَيْنِ بَلْ شَيْءٍ وَاحِدٍ صَادِقٍ عَلَى شَيْئَيْنِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ عَلَى ذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَقْتِ وَالْحَالِ مَعًا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَعَمَّ لِأَنَّ الْأَعَمَّ يَقَعُ عَلَى الْأَخَصِّ وَالْوَاقِعُ عَلَى الْوَاقِعِ وَاقِعٌ فَيَخْلُصُ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ النُّحَاةِ لَا يُسْتَثْنَى بِأَدَاةٍ وَاحِدَةٍ- دُونَ عَطْفٍ- شَيْئَانِ، وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ إنَّهَا حَالٌ مِنْ {لَا تَدْخُلُوا} أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ؛ إذْ لَا يَقَعُ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ صِفَةُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهَذَا الْإِيرَادُ عَجِيبٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادَ الزَّمَخْشَرِيِّ لَا تَدْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ حَتَّى يَكُونَ الْحَالُ قَدْ تَأَخَّرَ بَعْدَ أَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَالْكِسَائِيِّ. وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ {لَا تَدْخُلُوا} لِأَنَّهُ مُفَرَّغٌ فَيَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، كَمَا فِي قَوْلِك مَا دَخَلْت إلَّا غَيْرَ نَاظِرٍ. فَلَا يَرُدُّ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ إلَّا اسْتِثْنَاءُ شَيْئَيْنِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ. وَحَاصِلُهُ تَقْيِيدُ إطْلَاقِهِمْ لَا يُسْتَثْنَى بِأَدَاةٍ وَاحِدَةٍ- دُونَ عَطْفٍ- شَيْئَانِ بِمَا إذَا كَانَ الشَّيْئَانِ لَا يَعْمَلُ الْفِعْلُ فِيهِمَا إلَّا بِعَطْفٍ، أَمَّا إذَا كَانَ عَامِلًا فِيهِمَا بِغَيْرِ عَطْفٍ فَيَتَوَجَّهُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِمَا، لِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ كَالْفِعْلِ؛ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ عَامِلٌ فِيهِمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَذَا بَعْدَهُ. وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّانَ فِي إعْرَابِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَادْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ، كَمَا فِي قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} أَيْ أَرْسَلْنَاهُمْ. وَالتَّقْدِيرُ فِي تِلْكَ الْآيَةِ قَوِيٌّ، لِأَجْلِ الْبُعْدِ وَالْفَصْلِ. وَأَمَّا هُنَا فَيُحْتَمَلُ هُوَ وَمَا قُلْنَاهُ فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُمْ لَا يُسْتَثْنَى بِأَدَاةٍ وَاحِدَةٍ- دُونَ عَطْفٍ- شَيْئَانِ هَلْ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ وَمَا الْمُخْتَارُ فِيهِ؟.
|